الثلاثاء، 9 يوليو 2024

كينيا: التراجع عن قانون المالية 2024 وسط مخاوف اقتصادية

 

الصورة من إنشاء الذكاء الصناعي 

مقدمة

 يشهد الاقتصاد الكيني تراجعًا مقلقًا في ظل ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 6.3% في مايو 2024، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2016. ويُعزى هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة، أبرزها التقلبات في أسعار المواد الغذائية والطاقة عالميًا، وتراجع قيمة الشلن الكيني بنسبة 22% مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 2022.  

هذا بالإضافة إلى أزمة الديون الثقيلة التي بلغت 82 دولارا، وهو ما يكاد يصل إلى ثلاثة أرباع الناتج الاقتصادي السنوي لكينيا، وتصرف الحكومة ما نسبته 65% من الإبرادات لسداد الدّيون. ولمعالجة هذه التحديات، اتخذت الحكومة الكينية بعض الخطوات في عام 2023 منها لتقييد الإعانات المخصصة للوقود واتخاذ تدابير أخرى لزيادة الإيرادات مثل زيادة بنسبة 5% في ضريبة الدخل على أصحاب الدخل المرتفع وضريبة الإسكان بنسبة 3% . وطالب صندوق  النقد الدولي بخفض عبء الدّيون بحلول 2029، كما حثّ الحكومة الكينية في شهر يناير الماضي على اتباع استراتيجية إيرادات متوسطة الأجل تهدف إلى زيادة عدد دافعي الضرائب لخلق مساحة مالية أكبر تسمح بزيادة الإنفاق على تحسين الخدمات العامة.

قانون المالية المقترح لعام 2024 المثير للجدل

شمل مشروع القانون المقترح مجموعة من الزيادات الضريبية التي أثارت جدلاً واسعاً بين المواطنين الكينيين. وتضمنت هذه الزيادات ما يلي:

  • زيادة ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية: تم فرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 16٪ على السلع الأساسية مثل الخبز، مما أدى إلى ارتفاع أسعار هذه السلع بشكل كبير. وتعتبر هذه الزيادة عبئاً إضافياً على كاهل المواطنين، خاصةً ذوي الدخل المحدود الذين يعتمدون بشكل أساسي على هذه السلع.
  • زيادة رسوم المركبات: تم فرض رسوم إضافية على المركبات، بما في ذلك سيارات الركاب والدراجات النارية. وتعتبر هذه الزيادة عبئاً على مالكي المركبات، خاصةً أصحاب المركبات القديمة أو ذات سعة المحرك الصغيرة.
  • زيادة رسوم تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول: تم فرض رسوم إضافية على تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول. وتعتبر هذه الزيادة عبئاً على مستخدمي الهاتف المحمول، خاصةً في ظل الاعتماد المتزايد على هذه الخدمة في المعاملات المالية اليومية.
  • إلغاء الحد الأدنى من الإعفاءات الضريبية لبعض الخدمات: تم إلغاء الحد الأدنى من الإعفاءات الضريبية لبعض الخدمات، مثل الخدمات المهنية وخدمات التأمين. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة زيادة في ضرائب هذه الخدمات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

أهداف الزيادات الضريبية وتأثيرها على المواطنين:

تهدف الحكومة الكينية من خلال هذه الزيادات الضريبية إلى جمع 346 مليار شلن كيني لتمويل مشاريعها الإنمائية. ومع ذلك، فقد أثارت هذه الزيادات استياءً واسعاً بين المواطنين الذين يرون أنها ستزيد من عبء المعيشة بشكل كبير.

وتشير التقديرات إلى أن هذه الزيادات الضريبية ستؤدي إلى زيادة معدل التضخم في البلاد، مما قد يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للمواطنين. كما قد تؤدي هذه الزيادات إلى تراجع النشاط الاقتصادي، خاصةً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية.

وعلى الرغم من أن الحكومة تسعى إلى تحقيق أهدافها من خلال هذه الزيادات الضريبية، إلا أنه من الواضح أن مشروع القانون لم يضع في الحسبان تأثيره السلبي على المواطنين، فتسببت الزيادات الضريبية المقترحة غضبا بين الكينيين. وشعر الجمهور أن الضرائب الجديدة ستؤثر بشكل غير متناسب على أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط، مما يضغط على ميزانياتهم على الضروريات اليومية. وأثار ذلك احتجاجات ومطالبات بالسحب الكامل لمشروع القانون.

مطالب المحتجين ورد الفعل الحكومي

ومع اقتراب موعد إقرار مشروع قانون المالية لعام 2024، اجتاح الغضبُ الشارع الكيني، ولجأ المواطنون لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم الشديد للضرائب الجديدة المقترحة والدعوة للتعبئة والحشد تحت وسم "#ارفض_قانون_المالية". وأطلقوا حملة احتلوا البرلمان، لتوعية المواطنين بمخاطر مشروع القانون وحثهم على المشاركة في الاحتجاجات المخطط لها أمام مبنى البرلمان في يوم التصويت .وقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة إنفوتراك مؤخرًا أن 87٪ من الكينيين يعارضون مشروع القانون،

وفي يوم الثلاثاء 18 يونيو، كان من المقرر عقد جلسة قراءة أولية لمشروع القانون، فانطلقت مسيرات سلمية للاحتجاج أمام مبنى البرلمان بقيادة الشباب من عمر 18 إلى 35، للتعبير عن رفضهم لمشروع القانون والضغط على السلطات لإلغائه. وسرعان ما امتدت الاحتجاجات من العاصمة نيروبي لتشمل قرابة عشرين مقاطعة من بينها مومباسا وإلدوريت، معقل الرئيس وغيرها عندما أقرّ البرلمان مشروع القانون المالي لعام 2024 بينما انسحبت المعارضة السياسية من جلسة التصويت على مشروع القانون  وإقراره اصطفافاً مع المحجتين الذين جابتهم قوات الأمن بالرصاص المطاطي والحيّ ما أدّى لوفاة 23 من المحتجين، وأصيب حوالي 165 بجراح متفاوتة منذ يداية الاحتجاج بحسب هيومن رايتس ووتش.  

التراجع عن مشروع القانون

وفي 26 يونيو، واستجابة للاحتجاج العام، أعلن الرئيس وليام روتو أنّه لن يوقع على القانون المقترح الذي أقرّه البرلمان وأن البرلمان للتعديل، وأن حكومته ستتبنى إجراءات تقشفية وأن ذلك سيبدأ بخفض ميزانية الرئاسة. في حين ذكر وزير المالية أن "التنازلات بشأن الزيادات الضريبية ستؤدي إلى إحداث فجوة بقيمة 200 مليار شلن كيني (1.55 مليار دولار) في ميزانية 2024/25 وتستلزم خفض الإنفاق".  

ومن بين التعديلات المتوقع إدراجها على مشروع قانون المالية 2024، إلغاء ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية مثل الخبز والسكر، وخدمات مالية مثل معاملات الصرف الأجنبي، والمركبات. كما أُلغيت زيادة رسوم تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، وإلغاء الرسوم الجمركية على الزيوت النباتية. وبشكل إضافي، ولن تخضع الرسوم المفروضة على صندوق الإسكان والتأمين الصحي الاجتماعي لضريبة الدخل.  

يمكن تحليل هذا التراجع من خلال العوامل التالية:

  • الغضب الشعبي:  عبّرت الاحتجاجات عن رفض شعبي واسع النطاق لزيادات الضرائب، التي اعتبرها الكثيرون عبئًا إضافيًا على كاهلهم في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة.
  • التكلفة السياسية: أظهرت الاحتجاجات قوة الشارع الكيني وقدرته على التأثير على القرارات السياسية. خشي الرئيس روتو من استمرار الاحتجاجات وتصاعدها، ممّا قد يُشكل تهديدًا لاستقرار حكمه.
  • التأثير الاقتصادي:  أثار مشروع القانون قلق المستثمرين والشركات، ممّا قد يُعيق النمو الاقتصادي.
  • البحث عن حلول بديلة: أدركت الحكومة الكينية الحاجة إلى إيجاد حلول بديلة لزيادة الإيرادات دون إثقال كاهل المواطنين.

ومع ذلك، لا يزال الوضع في كينيا هشًا. لا يزال العديد من المتظاهرين غير راضين عن تراجع الحكومة عن مشروع القانون، ويطالبون بإصلاحات أوسع.

خاتمة

يُعد تراجع كينيا عن مشروع قانون المالية 2024 انتصارًا للاحتجاجات الشعبية. لكن ذلك قد يؤدي إلى تأخير حصول كينيا على قرض من صندوق النقد الدولي وزيادة الضغط على الحكومة لتنفيذ الإصلاحات وخفض العجز، مما قد يزيد من صعوبة معالجة عبء الدين الضخم للبلاد.  

وهذا التراجع الحكومي لا يعني استقرار الوضع بل بقاؤه مؤرجحاً حتى تجري الحكومة حوارًا وطنيًا شاملًا مع جميع أصحاب المصلحة للتوصل إلى حلول تُعالج المشكلات الاقتصادية الكامنة التي أدت إلى الاحتجاجات، مثل الفقر وعدم المساواة، من أجل ضمان استقرار طويل الأمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إثيوبيا بين اليابسة والبحر: طموحات توسعية وتهديدات إقليمية

  مقدمة تُعدّ إثيوبيا أكبر دولة في شرق إفريقيا من حيث عدد السكان، وثاني أكبر دولة من حيث المساحة، لكنها دولة حبيسة، ويُعدّ هذا الأمر عائ...